جب جنّين أون لاين

مخاطرة الحريري قسمت كتلة "المستقبل"... بأي تهدئة لمخاوف اللبنانيين يلاقيه عون؟


اختار الرئيس سعد الحريري كلماته بعناية مدروسة في خطابه الذي اعلن فيه دعم ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، من خلال تحديده ثلاثة امور رئيسية ابرزها إقراره بأن تبني ترشيح عون انما يحصل لان الخيارات اليوم اصبحت محدودة ثم انه يخاطر شخصيا بهذا الخيار مما يعني ادراكه ووعيه حجم المخاطرة التي يتخذ وردود الفعل عليها، ليس في شارعه فحسب بل لدى غالبية من اللبنانيين. ثم انه اتفق مع العماد عون على مشروع الدولة. وهو خطاب واقعي لا يحمل جديدا غير متوقع في مواقف الحريري، لكن وازن هذا المشهد بقوة نواب من كتلته فورا، وعلى أثر الكلمة التي القاها، بمواقفهم المعروفة المؤكدة رفض انتخاب العماد عون، فرسموا حدودا لدعمهم وتأييدهم له، وبدا الرجل كأنه يتلقى ضربة كبيرة ولو كان يعرف سلفا مواقف كتلته، ومضحيا ومقدما الكثير من اجل تأمين انتخاب عون، كأنه يدفع مسبقا ثمن خياره الذي لا يقنع جمهوره ولا يقنع جزءا لا بأس به من اللبنانيين. ذهب الحريري الى خياره على نحو مباغت، وهو مدرك الاضرار المحتملة حتى الان وربما مدرك الاضرار اللاحقة، مما يفترض انه يشير الى غياب الاوهام حول مآل الامور. الا ان ذلك لا يمنع المآخذ المبنية على مجموعة الزعماء تساؤلات واقتناعات بان المخاطرة التي يقوم بها الحريري لن تودي به شخصيا فحسب بل ستودي بالبلد ايضا، انطلاقا اولا من ان الحريري بما ومن يمثل لن يصيبه الضرر الشخصي وحده، بل مجموعته وجمهوره وكل الفريق الذي أيده منذ عام 2005 حتى الان، اضافة الى اعتقاد سياسيين كثر أن لذلك انعكاسات على البلد ككل. فمن جهة يأخذ كثر على الحريري خوضه غمار مخاطرة يعترف بانها كذلك، في حين ان نتائجها لن تقتصر عليه وحده، فيما هو مسؤول عن طائفته وجمهوره. اذ ليس هناك اي اقتناع بأن الحريري سيدفع وحده اثمانا سياسية باهظة لاحقا، بل هناك انتقادات لكونه وحده يرى انهيار مؤسسات البلد خلال سنتين ونصف سنة من الشغور الرئاسي، ويقدم على التضحية وفق مضمون خطابه، في حين ان المرشح الذي اتفق معه على انقاذ الدولة كما قال اهمل اخذ هذا العامل في الاعتبار طيلة هذه المدة. وليس عبثا ان يتحدث جميع السياسيين من معارضي انتخاب العماد عون اللغة نفسها في تقويم سبب اقدام الحريري على التضحية التي قال انها متواصلة منذ سنوات، في الوقت الذي يفيد المآل الراهن ان خصومه اخذوا من تضحياته سبيلا من اجل المضي في السيطرة على البلد والضغط عليه للحصول على المزيد وفق مسار معروف، ولا مجال للاغراق فيه. هذا الى جانب التساؤل البديهي، أقله من جمهوره لماذا يتعين عليه هو ان يضحي باستمرار في ظل تمسك الآخرين بمواقفهم، من دون استعداد لأي تنازل، خصوصا ان السياسة لا تقوم على العواطف بل على الحسابات الباردة، ولماذا يتعين عليه هو وحده المبادرة من ضمن المبادرات التي قدمها وهو فريق الى جانب أفرقاء كثر في البلاد؟ ومع ان حظوظ العماد عون تبدو بعد إعلان الحريري أقرب الى الرئاسة من أي وقت مضى في ضوء مرونة يمكن ان يبديها افرقاء كثر بناء على اتصالات ومساع في كل الاتجاهات بقيادة "حزب الله"، إلا أن ذلك لا ينفي أن الرؤية لرئاسة عون المحتملة تحمل مخاوف كبيرة لم يعمل على تأمينها الجنرال عون حتى الان في اي من اطلالاته الاخيرة او في السابق كذلك. ومعارضو وصول عون الى الرئاسة لم يخفوا هواجسهم ومخاوفهم من وصوله والاسباب المبررة لرفضهم له، ويظلل ذلك ان تخلي نواب من كتلة الحريري عن دعمه سيضعف موقفه ايضا، ويخشى كثر ان المرحلة المقبلة ستتوج بانتخاب محتمل لعون رئيسا مع تكليف للحريري ترؤس الحكومة، لكن من دون قدرة على تأليفها، فتبقى حكومة الرئيس تمام سلام تصرف الاعمال وتجري الانتخابات النيابية التي سيخسر الحريري بموجب المعطيات الاكثرية فيها، مما يؤدي الى ترحيل اي فرصة لترؤسه اي حكومة مقبلة. وليس بين معارضي وصول عون من يقتنع بان هذا السيناريو ليس طليعة السيناريوات المطروحة للمرحلة المقبلة.

والسؤال: كيف يمكن ان يلاقي العماد عون مبادرة الحريري باحسن منها ليس على الصعيد الخطابي، بل على صعيد تهدئة مخاوف اللبنانيين من المستقبل، وما الذي يمكن العماد عون تقديمه، اولا من اجل مساعدة الحريري من ضمن جمهوره وتياره على قاعدة اقناع هؤلاء بأن التسوية التي اقامها الحريري هي تسوية حقيقية مجزية لهذا الاخير كما للبنان، وكيف يمكنه طمأنة اللبنانيين لان الشعب يتعدى الجمهور المباشر الذي يسلس له القياد. يقدم البعض مبررات لخطاب محدود مبدئي مرتقب للعماد عون نتيجة تحالفه مع "حزب الله" بما قد لا يساعد في ردم الهوة سريعا حتى لو وصل الى الرئاسة، في ظل معارضة لا بأس بها منذ الان. بعض الوزراء لم يخفوا خشيتهم ان ما جرى في مجلس الوزراء الاخير في ظل الاعداد السياسي لانتخاب عون قد يكون قدم عينة غير مطمئنة عن مسار سياسي مرتقب استنادا مثلا الى رفض التيار العوني هبة كويتية بقيمة 40 مليون دولار من الصندوق الكويتي وربط قبولها بشروط مناطقية، في حين ان التضحية بالهبة قد تطيحها، مما يشي بعهد مناكفة ومحاصصة ليس الا وفق الوزراء انفسهم.

المصدر : النهار



نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.
إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّائها!

BEIRUT WEATHER

  الأكثر قراءة




  الوفيات


القاضي الشاعر محمد شمس الدين

علمٌ قضائيٌ بارز ، وشاعِرٌ مُرهف وصحافي سابق مؤسس صوت البقاع، ذلك هو باختصار القاضي الراحل والأديب محمد شمس الدين. والذين عرفوه أحبوا فيه تلك الصّفات المميزة التي تشدّك اليه مثل التواضع الجمّ، والضمير الحي والوطنية الثاقبة، حيث كانت له في كل مناسبة وقفة وفي كل حدثٍ إيحاءً ي...







 
جب جنّين أون لاين