جب جنّين أون لاين

حمود يكشف أخطر رسالة تهديد للحريري من دمشق


برويّة ووضوح واقتضاب، نقل رئيس تحرير «المستقبل» الزميل هاني حمود غرفة الدرجة الاولى في المحكمة الخاصة بلبنان، من لايسندام الى قريطم وفقرا، حيث جمع قضاتها ومدعيها العام ومحاميها برفيق الحريري، ليسمعوا منه قصته مع النظام السوري الذي عاداه حتى التهديد وخوّنه حتى الترهيب.

وباستثناء الانطلاقة التي أراد فيها القاضي دايفيد راي التعمق في الاطلاع على طريقة تدخل النظام الامني اللبناني السوري في العمل القضائي، وشاء القاضي نيكولا ليتييري الناظر بملف قناة «الجديد» الاطلاع على الاسس التي اعتمدتها محكمة المطبوعات لاقفال تلفزيون «أم. تي. في»، فإن قضاة الغرفة، وبسلوكية يمكن اعتبارها غير مسبوقة، تركوا حمود كليا لممثل الادعاء العام غرايم كاميرون، ليجول مع شاهده الذي شاءه آخر شهود الدافع السياسي، في رحاب أسرار مواجهة رفيق الحريري مع نظام بشار الاسد التهديدي.

وكان لافتا لانتباه المراقبين ان إفادة حمود التي تقاطعت، في مفاصلها الأساسية، مع سائر من سبقه من شهود، حفلت بالوقائع التفصيلية غير المعروفة، عن جو تهديدي قاتل نقله علي جابر، الشخصية التلفزيونية المعروفة، من القيادات السورية الامنية والسياسية الى رفيق الحريري ومن بينها قيادتان جرت تصفيتهما لاحقا، وهما آصف شوكت وغازي كنعان، وعن فهم رفيق الحريري للطريقة التي يمكن لبشار الاسد استعمالها لتكسير لبنان عبر استخدام «حزب الله»، وموقف رفيق الحريري من القرار 1559 «فهو كان مسرورا به ولا يريد أن يعارضه»، وتأكيده أن الجيش السوري سوف يغادر لبنان، «في غضون سنة«، في ضوء معطيات هذا القرار.

والمهم في إفادة هاني حمود أنه قدّم رفيق الحريري، كما عرفه في تلك العلاقة اللصيقة بينهما، أي شخصية تقاوم الوصاية السورية، بحكمة وبوتيرة تصاعدية «على اعتبار أنني حاملة طائرات وليس طزطيزة»، كانت ستنتهي برؤيته شخصيا في «لقاء البريستول«، بهدف اعادة تكوين السلطة، لو لم تجر عملية اغتياله.

وكان حمود، بفعل امتناعه عن الاستطراد، منهجيا في إفادته التي استهلها كاميرون مع بداية العام 2003.

وهذا العام، وفق الوقائع التسلسلية التي قدمها «الشاهد الحميم»، كان عام بداية الاستهداف الكامل لرفيق الحريري.

بدأ هذا العام بطلب رستم غزالي إقالة حمود من منصبه في رئاسة الحكومة، حيث كان مستشارا لرئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري، لأنه أصدر بيانا يطالب فيه بفتح «أم. تي. في» التي اقفلت قضائيا بقرار من النظام السوري وأزلامه في لبنان يتقدمهم رئيس الجمهورية في حينه اميل لحود.

وفي منتصفه، وتحديدا في حزيران، جرى قصف مبنى تلفزيون «المستقبل« في الروشة، وقد اعتبر الحريري ذلك رسالة سورية له استهدف حديقة منزله الخلفية.

وفي نهايته، كانت دعوة الحريري الى اجتماع مع الأسد بحضور ضباطه الثلاثة، حيث فرض عليه ما سمي ـ»برتوكول دمشق«. ويروي حمود أنه التقى الحريري في قريطم فور عودته من دمشق فوجده «مكسورا»، وأخبره ان الاجتماع كان «كارثة» وأنه تمالك نفسه حتى لا يغادر الاجتماع الذي جرى تخوينه فيه ولا يقول للاسد: غير مسموح التكلّم هكذا مع رئيس حكومة لبنان.

ومن ثم ينتقل حمود الى العام 2004، حيث تلقى الحريري طلبا من غزالي بأن يكف عن إثارة موضوع الاستحقاق الرئاسي لأنه موضوع محصور ببشار الأسد، لكن الحريري لم يستجب للطلب.

وفي هذا العام حصل الاجتماع التمديدي الشهير بين رفيق الحريري وبشار الاسد. الحريري كان يتطلع لأن يناقش الاسد في الخيارات المتاحة لكن الاسد منعه من ذلك، وفرض عليه التمديد على اعتبار» اميل لحود أنا وأنا اميل لحود»، مهدداً بتكسير لبنان على رأسه إن أجبره الرئيس الفرنسي جاك شيراك على مغادرة لبنان.

وروى حمود حواره مع الحريري «المذهول»، عندما التقاه في فقرا مع الشهيد باسل فليحان، فور عودته من دمشق: سأله حمود: كيف يمكن للاسد أن يكسّر لبنان؟

أجابه الحريري بسؤال: اذا طلب من «حزب الله« ان يسيّر تظاهرة من الضاحية الجنوبية الى وسط بيروت، فهل يلبي الحزب الطلب؟

أجاب حمود: نعم يلبي.

تابع الحريري: إذا نشر الاسد قناصة على أسطح عدد من الأبنية وقتلوا ثلاثين متظاهراً، ماذا يحصل؟

أجابه حمود: يحرق حزب الله بيروت.

عقب الحريري: هكذا يكسر بشار الاسد لبنان.

هذه الرواية ذكّرت المراقبين هنا في لاهاي، بما قاله الحريري لوليد المعلم في التسجيل الذي جرى بثه للقاء الذي حصل بينهما في قريطم. في التسجيل يقول الحريري للمعلم: أنا أعرف أنكم يمكن أن تستخدموا «حزب الله« ضدي.

وفي اختلاف مع افادة النائب وليد جنبلاط، قال حمود للمحكمة إن رفيق الحريري كان مسرورا بالقرار 1559 ولم يكن يريد معارضته.

وفي تلاق مع جنبلاط أشار حمود الى ان الحريري كان يريد اخراج الجيش السوري من لبنان، ولكنه لم يكن يريد التعاطي مع البند الخاص بميليشيا «حزب الله« إلاّ بالحوار، لئلا يحصل صدام في لبنان.

كما سائر الشهود، أشار حمود الى ان القيادة السورية كانت تتهم الحريري بالوقوف وراء هذا القرار، ولكنه أضاف أن هذه القيادة تعرف انه لا يمكن لرجل واحد ان يقف وراء صدور قرار مماثل لأنه يحتاج الى معطيات دولية، ولكنها في الحقيقة كانت تأخذ على الحريري عدم تصديه للقرار لمنع صدوره او على الاقل عرقلة هذا الصدور.

ووفق الوقائع التي لدى حمود، فإن القيادة السورية كانت مصابة بالهلع بسبب هذا القرار، ودليله على ذلك ما نقله التلفزيوني المعروف علي جابر الى الرئيس الحريري، بعد زيارة قام بها لدمشق حيث اجتمع ببثينة شعبان وآصف شوكت وغازي كنعان ووليد المعلم.

ونقل جابر لرفيق الحريري، بحضور حمود، كيف يتهمه هؤلاء بالوقوف وراء القرار وكيف يجمعون على تخوينه، وكيف يأخذون الامور على محمل الجد، بإجراء تحصينات في منطقة الساحل السورية حتى ينكفئ النظام اليها ان حصلت ضربة عسكرية لسوريا.

وكانت «داتا« الاتصالات كما سجل زوار قريطم، في خدمة صدقية رواية حمود، اذ أظهر المدعي العام اتصالات متبادلة بين حمود وجابر كما أظهر دخولهما معاً الى قريطم وخروجهما لاحقاً معاً.

ولرواية حمود تتمة تحدث عنها، وفيها ان جابر، وفي تشييع الحريري، تقدم باكياً من حمود، وصرخ فيه: «لقد حذّرته. تذكر انني قلت له«.

انضمام الحريري الى «لقاء البريستول«، وهي نقطة غالية على الادعاء العام، كانت من محاور افادة حمود الذي جزم بأن الحريري، لو لم يُقتل، لانضم شخصياً الى هذا «اللقاء« الذي كان بيانه في اجتماعه الثالث الذي حضره باسل فليحان موفداً من الحريري الى جانب احمد فتفت وغطاس خوري، بمثابة الوثيقة السياسية التي على أساسها سيتحالف مع وليد جنبلاط والمعارضة المسيحية للانتصار في الانتخابات النيابية، بهدف اعادة تكوين السلطة في لبنان.

هاني حمود نقل عن الرئيس الحريري في تبربر التباطؤ في وتيرة انضمامه الكامل الى المعارضة، قوله: «أنا مثل حاملة الطائرات ولست طزطيزة (دراجة نارية)، وهذا يعني أن استدارتي تحتاج الى مساحة والى وقت«.

اليوم يواصل حمود الادلاء بإفادته، حيث يتوقع ان ينهي كاميرون استجوابه الرئيس الذي سيجول على الايام الاخيرة التي تفصل الحريري عن اغتياله، كما سيتوقف، للمرة الاولى، عند تظاهرتي 8 و 14 آذار.

بعد ذلك يبدأ الاستجواب المضاد الذي تتولاه فرق الدفاع.

( المستقبل )



نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.
إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّائها!

BEIRUT WEATHER

  الأكثر قراءة




  الوفيات


القاضي الشاعر محمد شمس الدين

علمٌ قضائيٌ بارز ، وشاعِرٌ مُرهف وصحافي سابق مؤسس صوت البقاع، ذلك هو باختصار القاضي الراحل والأديب محمد شمس الدين. والذين عرفوه أحبوا فيه تلك الصّفات المميزة التي تشدّك اليه مثل التواضع الجمّ، والضمير الحي والوطنية الثاقبة، حيث كانت له في كل مناسبة وقفة وفي كل حدثٍ إيحاءً ي...







 
جب جنّين أون لاين