جب جنّين أون لاين

تحديات جديدة أمام النساء


لم يأت مؤتمر «المشاركة السياسية والعامة للنساء» في خمس دول عربية، الذي نظمه «التجمع النسائي الديموقراطي» في بيروت، من فراغ. يكتسب الحدث أهمية استثنائية مع ما تمر به المنطقة العربية، وبالتحديد إثر ما أنتجته الحراكات العربية من تغييرات تركت أثرها على البنية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومعها الدينية.
إضافة إلى التحديات التقليدية التي كانت تعيق مشاركة النساء في القرار، وجد نحو مئة مشارك ومشاركة في المؤتمر، من مصر وتونس والمغرب وفلسطين ولبنان ودول عربية أخرى، أنفسهم أمام أسئلة جديدة. بحثوا في واقع النساء في الأحزاب والنقابات ومدى مشاركتهنّ في صنع القرار، ومدى حضور قضايا المرأة في الأحزاب والنقابات في وقت انهارت فيه الأحزاب التقدمية والعلمانية التي كانت، أقلّه في خطابها المعلن، تؤيد قضايا النساء وحريّتهن وحقوقهن ودورهن. في مقابل، تعزّز دور القوى الدينية، «المعتدلة» أو المتطرفة التي عادت بالنساء إلى جهاد النكاح وسوق النخاسة والبرقع والخمار، وإلى داخل جدران المنزل.
أسئلة فرضت نفسها في المؤتمر، فأتت التوصيات لتضع الأولويات ـ التحديات على مستوى «انهيار الدول وحياد دورها الأمني والاجتماعي، وطبعاً مواجهة الردة الدينية، ومعها السياسات الاقتصادية النيوليبرالية والشركات المتعدّدة الجنسية، وربط المشاركة السياسية للنساء بالعنف المبني على النوع الاجتماعي»، إضافة إلى أولويات أخرى، كما أعلنتها عضو التجمع المحامية منار زعيتر.
النقاشات التي خاضها المشاركون في المؤتمر بُنيت على دراسة جامعة لدراسات وطنية خاصة بمشروع «تعزيز دور الأحزاب والنقابات في النهوض بالمشاركة السياسية والعامة للنساء». الدراسة نفسها جمعت نتائج دراسات وطنية في عدد من الدول. وركزت الدراسة على طبيعة انخراط النساء بالسياسة، وإبراز تعدّد أصناف المنخرطات فيها، والتأكيد أن لكل جيل مفهوماً محدداً للنشاط السياسي وآلياته. اعتمدت الأحزاب السياسية والنقابات كأطر كلاسيكية للممارسة الديموقراطية.
المشهد الحزبي
وصفت الدراسة المشهد الحزبي في كل دولة معنية بالدراسة على حدة. ففي المغرب نجد انعكاس الفوارق الجغرافية والاجتماعية والثقافية وترسيخ الفارق بين المحيطين الريفي والحضري، وانقسام الساحة السياسية إلى بنية ممأسسة وفضاء احتجاجي خارج الأطر التقليدية.
وفي لبنان، سجلت سيادة التركيبة الاجتماعية المبنية على الطائفية والتوريث والانقسام إلى حلفين سياسيين (8 و14 آذار).
وربطت الوضع في فلسطين بتاريخ المقاومة، واتصافه بالانقسام نتيجة الاحتلال والموقف من الكيان الصهيوني وبعض القضايا كالأزمة السورية.
وعملت الأحزاب في مصر في عهد حسني مبارك تحت رقابة السلطة، وشهدت انتعاش السياسة خلال الثورة، أعقبها تقنين مشدد للعمل الحزبي.
أما في تونس، قبل الثورة، فسجلت سيادة الحزب الحاكم المهيمن ومعارضة «صورية». وبــعد الثورة «توتر وصراعات بين ائتلاف الترويــكا والمعارضة، ومبــادرة الحوار الوطني للخروج من الأزمة، ثم مرحلة الانتخابات التشريعية والرئاسية.
النقابات
نقابياً، لحظت الدراسة انتشار البيروقراطية وتهميش النضالات في المغرب، ومعها الاستثمار السياسي لمصلحة فئة اجتماعية، مسجلة مدوّنة الشغل كمكسب لفئة الشغيلة والمرأة.
واتسم تقييم لبنان بـ «الضعف، والانقسامات والتطويع للإرادة السياسية الناتجة من الطائفية المذهبية».
وبرز دور النقابات في فلسطين في دعم الحركة الوطنية ضد الاحتلال، وتكوّن النقابات استناداً إلى الانتماءات الحزبية السياسية.
وفي مصر سجلت موالاة النقابات لسلطة مبارك، واستقلالها عن سيطرة الدولة بعد الثورة.
وبرز في تونس دور الاتحاد العام للشغل كمنظمة مساندة لمقاومة الاستعمار، ومساهمة في وضع البرامج الرئاسية، وفشل تجربة التعاضد واستعادة منظمة الشغيلة قوتها، مع تسجيل مشاركتها في الثورة وتحقيق الانتقال الديموقراطي.
معوقات جامعة
حدّدت الدراسة معوّقات مشتركة في الدول الخمس. فاعتبرت مجمل المعوقات حاضرة في مجتمعاتنا العربية، إذ إن النساء يعانين من دون استثناء، وإن بتفاوت، من المعوقات نفسها. ومن أهمها تلك ذات الصبغة الاجتماعية وتضمّ ذكورية المجتمعات العربية وما تستبطنه من ممارسات ثقافية وعادات وأفكار منغلقة تؤثر على تركيز قواعد سليمة لبناء أسس مشاركة سياسية جدية ومستدامة ضمن الأحزاب والنقابات.
وسجلت أبرز المعوقات بتصاعد العنف المادي والمعنوي ضد المرأة. ففي تونس نجد أن 47.6 % من النساء يتعرّضن لعنف جسدي، جنسي، اقتصادي أو نفسي، مرّة على الأقل خلال حياتهن، مع نسبة أميّة تصل إلى 25 %.
وفي مصر، بعد الثورة، عانت المرأة المزيد من العنف والتهميش السياسي نتيجة الانفلات الأمني، فكانت الحصيلة في النصف الأول من العام الأول 94 حادثة عنف، 51 قتيلة، 11 مصابة، 15 مغتصبة و12 مختطفة. وتبلغ نسبة الأمية 33 %.
وفي فلسطين، سجل في سنة 2011، أن 37 % من النساء تعرّضن للعنف الزوجي، و5 % تعرّضن للعنف النفسي في الشارع، و4 % تعرّضن للعنف النفسي في أماكن العمل.
وفي لبنان نجد 27 % من المعنفات من التعليم العالي.
وهناك في المغرب نسبة مرتفعة من العنف على النساء في أماكن العمل: 16 % من حالات العنف.
وسجلت الدراسة معوّقات تتمثل بتأنيث الفقر نتيجة انتشار الأمية، بصرف النظر عن الحقوق السياسية للنساء، وغياب أو ضعف ثقافة المواطنة.

مراقبة الأحزاب والنقابات

خرج المؤتمرون بتوصيات شدّدت على حاجة الحركة النسائية إلى "ضبط المصطلحات والمفاهيم، وقراءة جديدة للتحديات، وعدم تحويل الكوتا من آلية إلى هدف، والعمل على بناء قيادات نسوية، وتحفيز النساء للانخراط في الأحزاب والنقابات، والعمل البحثي الشامل والتحالفات، وتلازم مبدأي المساواة والديموقراطية، وعدم الفصل بين الفضاءين الخاص والعام، إدماج القضايا الاجتماعية في صلب عمل المنظمات، والعمل مع القاعدة النسائية، وتشكيل المثل الأعلى في تحقيق الديموقراطية وتداول السلطة، وتنظيم ورش عمل للتخطيط، واستثمار الآليات الدولية المتاحة والفرص المستقبلية والتمكين والتشبيك وتشكيل مرصد لمراقبة التزامات الأحزاب والنقابات، وإنتاج مواد معرفية، وجعل النساء قوة ضاغطة، وتسييس قضية النساء ببعد إقتصادي اجتماعي حقوقي، والتشابك مع المنظومة الفكرية وتطوير خطاب مناهض لخطاب التهميش والإقصاء.
وشددت التوصيات على السعي لإيجاد أنظمة انتخابية حديثة، وقراءة حديثة لقوانين الأحزاب، والتربية على ثقافة المساواة ووضع آليات لحماية النساء.
وبالنسبة إلى الأحزاب والنقابات طالب المؤتمرون بـ "إقرارها بالفجوة القائمة بتمثيلية النساء، وإدماج مقاربة قضايا النساء والنوع الاجتماعي داخل هياكلها، واعتماد الكوتا في أنظمتها الداخلية، وإعادة تموضع العلاقة وتشكيل حلقات وصل بينها وبين المنظمات النسائية، ووضع أجندة خاصة للأحزاب في شأن دورها في تطوير دور النقابات، وتبني أجندات واضحة تستهدف العمل على حقوق النساء. وكان أيضاً للإعلام حصة من التوصيات للمساهمة بتعزيز دور النساء.

( السفير )



نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.
إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّائها!

BEIRUT WEATHER

  الأكثر قراءة




  الوفيات


القاضي الشاعر محمد شمس الدين

علمٌ قضائيٌ بارز ، وشاعِرٌ مُرهف وصحافي سابق مؤسس صوت البقاع، ذلك هو باختصار القاضي الراحل والأديب محمد شمس الدين. والذين عرفوه أحبوا فيه تلك الصّفات المميزة التي تشدّك اليه مثل التواضع الجمّ، والضمير الحي والوطنية الثاقبة، حيث كانت له في كل مناسبة وقفة وفي كل حدثٍ إيحاءً ي...







 
جب جنّين أون لاين